Sunday, February 28, 2016

لعبة الحياة

" لكل مجتهد نصيب .. و ما وصلت اليه اليوم هو حق مستحق .. قد اوتيته على علم منى .. وما أصبحت عليه الأن ما هو إلا ثمرة عملى .. و لئن رددت الى ربي لأجدن خيرا منه .. أنا الان أفضل من أنا ذى قبل .. و أنا الغد سيكون أفضل من كلانا .. وسيظل اللأنا يعمل و يجد حتى يصل إلى الأنا المنشود .. أنا خيرا منه "
هذه هي الكلمات التي كان يرددها صديقي أمام مرآة الجيم في أول زيارة له .. لم أسمعه يقولها بفيه .. فقد كان يرددها في نفسه و قرأتها في عينيه .. ظهر رضاه عن نفسه في نظرة نفسه الى نفسه فى المرآة .. نعم لم يسجل الميزان أى نقص أو زيادة على الأطلاق .. و نعم أيضا لم تتسع ملابسه أو تضق عليه .. نعم لم تقوى عضلة واحدة ولم يذب أنشا واحدا من الدهون .. و لكن نفسه تشعر بتلك النشوة .. أعلم هذا الشعور .. أعرفه جيدا .. فقد كنت أقف أمام تلك المرآة منذ دقائق مضت .. عجيبة هى تلك المرآة .. دوما ما ترينا الأشياء أكبر من حجمها و دوما ما نصدقها .. بل عجيبة هى تلك النفس التي تنظر في المرآة فتعطى نفسها أكثر مما تستحق ..هل تحاول حقا التفاخر بما لديها من قليل حقيقى .. أم أنها تحاول خداع صاحبها بكثير وهمى ..حتى لا يكلفها بالمزيد من المهمات للوصول إلى الكثير المنشود !! .. لم تعد تشغلني إجابة هذا السؤال .. ف أن أعرف أنها تخدعني أهم عندي من البحث عن الأسباب التى تخدعني لأجلها .. على أن أترك هذه اللعبة و أغادر فورا .. و لكن شيء ما بداخلى يناديني نحوها .. أكاد أقسم أنى أسمعها تلفظ حروف أسمى و كأنها تتهجأها .. ما هذا النداء الهامس و يا ترى ما مصدره ؟!
أبتعد صديقى عن المرآة ليكشف مرمى بصرى عن صديقة أخرى لنا .. يكاد العرق المتصبب منها أن يخفى تفاصيل وجهها .. تعدو بأقصى ما تملك من قوة عندها .. ومن تحتها سيرا جلديا يجرى ليواكب عدوها .. لا تكاد المسكينة أن تلفظ أنفاسها و لم يرق قلب السير لحالها.. تنظر هى الآخرى فى المرآة فتخبرها أن نهاية السكة قد أقتربت .. بقى لك أمتار قليلة وما عليك الا أستكمالها .. يا صديقتى توقفى ف المرآة كاذبة .. لم تتحركى خطوة واحدة من مكانك .. لم تبتعدى مترا .. و لن تقتربي شبرا .. و لن تصلى لأى ملتقى .. ليس عليك بذل هذا الجهد الخرافى للحفاظ على شكلك و نمطك .. فقط دعى قدميك تلامس أرض الواقع .. و امشى فيها على مهل و بالسهل .. و أجتازى من حولك من صحبة .. يحجب نظرهم الى خارجك رؤية ما بداخلك من طيب و من جود ومن حب .. أنزلى عن تلك الطاحونة الدائرة الأن .. ف غدا سيشيب رأسك و تدق التجاعيد باب وجهك .. لن تستطيع المرآة عندها رد ما بك من تجاعيد ومن شيب .. و لتغادرى الأن .. أنا أيضا مغادر .. نعم مغادر .. لولا فقط رغبتى ف الوصول لهذا الصوت المنادى .. مازال ينادى بأسمى و لكن قلت قوة همسه في أذنى
تفقدت أقصى القاعة بعيني .. علي أصل إلى مصدر الصوت .. فلم يسترعى انتباهي الا صديق ثالث .. يسخر كل خلية في جسده ليجذب بيديه عصا أفقية معلقة فوق رأسه.. العصا مربوطة بحبل يصلها بأثقال موضوعة نصب عينيه .. و بمجرد ملامسة العصا لصدره .. تفر هاربة إلى نفس مكانها قبل جذبه .. ف الأثقال تسقط خضوعا للجاذبية و تشد العصا معها رغم أنف قوته .. يا مسكين .. هل تعلم أن حالك أصعب من أقرانك .. فالأثقال صوب عينيك .. و الجاذبية لا تخف عليك .. كيف استطاعت تلك المرآة أن تفتنك .. هل وسوست لك أنك حقا ستنال بقوتك مالم يكن مقسوما لك .. أم أخبرتك باستقرار حجر سيزيف أعلى الجبل .. الحجر لن يستقر .. و إن كان لابد من نهاية سعيدة لتلك الأسطورة الخائبة .. فعلى سيزيف الرحيل .. فقط يرحل .. يرحل دون اكتراث لأمر الحجر .. يرحل مثلما سأفعل أنا الأن .. فعلى ما يبدو أنى قد تغلبت على النداهة .. فلم تعد تهمس باسمي .. فقط بقى منها أنين و حشرجة .. أريد فقط أن أصل لمصدرهما كي اتأكد من خوارها .. اكتم ما تبقى لها من أنفاس .. أعلن انتصاري المظفر عليها و اضمن أن لا تفتن أحدا بعدى .. عجبا .. هل يأتى هذا الأنين حقا من داخلى .. هل تسكن النداهة بين ضلوعي ؟ .. أشعر بها تحت قدمي .. لماذا روحت أجول و أصول في كل أرجاء المكان و لم أنظر تحت قدمي .. كفاني عبثا .. أنى لهذا الأنين أن يأتى من تحت قدمى .. قطعا لن أنظر .. و لم لا ! .. هيا .. فقط نظرة واحدة و بعدها أرحل .. حسنا هاهى .. ألم أقل لك أن .. لا يمكن أن يكون هذا .. قد أكون .. يالا هول ما رأيت
لم يكن ذلك الصوت الهامس إلا صديقى المقرب .. قد أتفقنا على التناوب على رفيع قضيب حديدي .. و ما أن استلقى صديقى على ظهره و أخذ يرفع هذا القضيب و يخفضه.. حتى التهيت عنه بمراقبة تلك اللعبة .. شغلتني عنه ف انشغلت بها .. ضعفت قواه و ثقل عليه الحمل .. تنافرت عروقه و تقاطعت أنفاسه .. يهمس هو باسمى لاساعده في رفع القضيب و أنا أظنها اللعبة .. تقل نبرة همسه الحقيقي ف احسبه نصرا زائفا لي على همس دَعِيّ .. ما أسوأ هذه اللعبة .. نتبارى فيها على حمل ما سوف يهلكنا حمله.. فكل مشارك فيها اذا خاسر .. هل يجب أن تكون حياة أحدنا على المحك حتى نصحو من تلك الغفلة .. أم ستشغلنا تلك اللعبة حتى النهاية فتسلبنا حتى حق الصحوة .. فتنتهى حياة الواحد منا قبل نهاية اللعبة .. ها قد رفعنا عنك القضيب يا صديقى .. ستلتقط أنفاسك برهة .. بعدها ربما ستحن الى الأثقال تارة أخرى .. أنا مغادر الأن .. لن ألقى بالا ل همسا .. و لن أنظر في المرآة .. و لن استكمل تلك اللعبة .. لعبة الحياة